مناهج البحث الأدبي عند العرب ، تعريف منهج البحث الأدبي ، وأسس البحث العلمي
مناهج البحث الأدبي عند العرب
تعريف منهج البحث الأدبي :
يقصد بمنهج البحث الأدبي :
الطريقة التي يدرس بها الأدب أو الأديب ، بحيث نستظهر خصائصه ، ونقف على بواعثه ومظاهره ، ونتعرف على جوانبه المختلفة ، من بحث الشيء ، إذا نقب فيه ، وفحص أجزاءه ، ليصل الباحث إلى حقيقته وجوهره ، وما خفي من أمره .
وقد تنوعت الدراسات الأدبية ، وتعددت مناهجها ، وكثرت اتجاهاتها ومذاهبها ، في العصر الحديث ، ما بين منهج ذاتي ذوقي ، أو فني تاريخي ، أو نفسي ، وما إلى ذلك من مناهج البحث الأدبي ، التي شاعت ، وتعددت موضوعاتها ، وادعى البعض أنها من نتاج غربي خالص ، وأن العرب ليس لهم في ذلك الميدان دور ، أو جهد يذكر ،
وأنهم كانوا في ذلك عالة على غيرهم ، فقد تتلمذوا في ذلك على ما قدمه الغرب ، وأفادوا منه ، متناسين ما قدمه العرب إبان نهضتهم وحضارتهم الإسلامية ، وأنهم هم الذين مهدوا الطريق في هذا المجال ، أمام الغربيين الذين أفادوا ـ دون شك ـ مما قدمه العرب في هذا الميدان ، وهو ما اعترف به المتصفون منهم ،
وسجلوه في العديد من مؤلفاتهم ودراساتهم المختلفة ، والفضل ما شهـدت بـه الأعـداء ، من أمثال المستشرق « برنارد لويس » الذي كان من أشد أعداء الإسلام والعرب ، بعد أن أخذ على عاتقه تشويه سمعتهم ، وتحقيرهم ، والإساءة لهم في أعين الغرب ، ولكنه لم يستطع أن يكتم هذه الحقيقة ، واعترف بالدور العظيم الذي قدمته حضارة الإسلام للغرب ،
فقال : « تعلمت أوربا من العرب طريقة جديدة ، وضعت العقل فوق السلطة ، ونادت بوجوب البحث المستقل ، والتجربة ،وكان لهذين الأساسين الفضل الأكبر في القضاء على العصور الوسطى ، والإيذان بعصر النهضة » .
ولم يكن « برنارد لويس » هو الوحيد من الغربيين ، الذين أشادوا بفضل الحضارة الإسلامية ، ودرها في حضارة أوربا الحديثة ، فهم كثر ، منهم العلامة "سيديو" أحد وزراء فرنسا السابقين ،
الذي يسجل اعترافه هو الآخر بفضل العرب والمسلمين ، في كتابه « خلاصة تاريخ العرب » ، فيقول : « لقد كان المسلمون منفردين بالعلم في تلك القرون المظلمة ، فنشروه حيث وطأت أقدامهم ، وكانوا هم السبب في خروج أوربا من الظلمات إلى االنور » .
ومهما تعددت أقوالهم في الإشادة بفضل الحضارة الإسلامية وروادها على حضارتهم المعاصرة ، فإنها تلتقي عند نقطة واحدة ، هي : لولا حضارة الإسلام ما كانت حضارة الغرب ، أو على الأقل لتأخرت عن مولدها عدة قرون .
لقد هيمن العلم عند المسلمين على الفكر الإنساني ثمانية قرون ، ففي الوقت الذي كان فيه العلم في أوربا في سبات عميق ، أصبح العرب في القرن التاسع الميلادي حراس العلم ، وسدنة المعرفة ، والمهيمنون على معظم مراكز الثقافة والبحث العلمي ، حتى أصبحت اللغة العربية هي لغة العلم ، والثقافة ، والحضارة ،
ويكفي أن نذكر أسماء بعض العلماء العرب ، الذين لا يوجد قرين لهم بين أبناء الغرب ، من أمثال : جابر بن حيان ، والكندي ، والخوارزمي ، والرازي ، وثابت بن قرة ، وحنين بن إسحاق ، والفارابي ، والطبري ، وابن زهر ، وابن البيطار ، والبيروني ، وابن سينا ، والحسن بن الهيثم ، وغيرهم كثيرمن العلماء الكبار ،
الذين ذاع صيتهم ، وعمت شهرتهم الآفاق ، بما قدموه للعلم والعلماء آنذاك ، فأسهموا بدور واضح في ازدهار الحضارة الإنسانية ، حتى صار الشرق الإسلامي في العصور الوسطى مهدا للعلم والفكر ، وأصبحت اللغة العربية لغة الحضارة ، ونمت في أحضانها فروع العلم المختلفة .
وقد سلك العلماء والباحثون العرب طرقاً مختلفة ، لتحصيل تلك العلوم والفنون ، وقبل أن نبدأ الحديث عن تلك المناهج ، التي سلكها الباحثون العرب ، خلال تقدمهم الحضاري والفكري تحت راية الإسلام ،
ينبغي أن نقدم بين يدي ذلك الحديث نبذة سريعة ، توضح ذلك الدور المهم ، الذي أداة العرب ، في سبيل إرساء دعائم منهج البحث العلمي والأدبي ، وما قدموه بذلك للحضارة الإنسانية ، من جهود عظيمة ، ينبغي ألا ينكرها أحد ، بل يجب أن تذكر لهم فتشكر .
أسس البحث العلمي :
لقد قام البحث العلمي عند العرب على أسس ثابتة ، وبني . على دعائم مقررة ، تتمثل في :
1 ـ الإقبال على البحث بروح علمي ، وعقل نزيه محايد ، وفكر واع مستنير مستعد لقبول الحق ، واعتقاده ، متجرد من تأثير الأحكام المسبقة ...
2 ـ الشك في الموضوع ، حتى تثبت صحته ، وتتأكد سلامته .
3 ـ التجربة التي تبدأ بالملاحظة ، ثم بالاستقراء والموازنة ، والتركيب ، ثم الاستنباط القائم على المقدمات ، للوصول إلى نتيجة ثابتة ومحددة ، تصدق في كل الأحوال .
وهذا المنهج العلمي ، هو الذي ادعى كل من : « بيكون » ، ثم « ديكارت » أنه من ابتكاره ، وفي الواقع أنهما كانا في ذلك تلميذين للباحثين العرب ، وبخاصة النظام ، والجاحظ ، والغزالي ، والخوارزمي ، والبيروني ، وغيرهم من علماء المسلمين (1) .
لقد اعتبر النظام الشك أساسا مهما من أسس البحث العلمي ، كما اعتمد على التجربة ، واستخدم المنطق في بحثه ودراسته العلمية ، وكذلك جعل الجاحظ الشك سبيلا إلى اليقين ، وأضاف إلى ذلك النقد العلمي ، فكان مغرما بالتنبيه على الخرافات ، وفضح أصحابها ، والنيل منهم ، حتى لقد نقد النظام والكندي ، كما نقد أرسطو أيضا ...
------------------------
(1) انظر : البحوث الأدبية ص 49 اخفاجي ، ومقدمة في المنهج د. عائشة عبد الرحمن ض 43 - 54 .
إرسال تعليق