أثر الأزهر في النهضة الأدبية في العصر الحديث

أثر الأزهر في النهضة الأدبية في العصر  الحديث

أثر الأزهر الشريف في النهضة
أثر الأزهر في النهضة

أثر الأزهر الشريف في النهضة الأدبية الحديثة :

 الدور التاريخي للأزهر كمركز رئيسي للتعليم الإسلامي :

الأزهر الشريف أول جامع في القاهرة ، وأقدم مدرسة في مصر ، ومن أعرق الجامعات الكبرى في العالم ، بناه جوهر الصقلي ، بعدما خط القاهر، ومن هنا بدأ الأزهر رحلته العلمية فكان منارة الإسلام وحصنه الحصين ، وقد زادت مكانـة الأزهـر بعـد سقوط بغداد وانتقال الخلافة والثقافـة إلـى مصر ، فحفظ اللغة العربية من الزوال وحفظ العلوم من الضياع والفقدان وظل وحده يرسل أشعة العلم إلى أنحاء العالم الإسلامي ، لا يخرج عالم إلا منه ، ولا ينبغ كاتب أو شاعر إلا فيه .

الدور الريادي للأزهر الشريف في تعزيز العلم والمعرفة :

وقد " حمل الأزهر رسالة العلم في الدنيا، فاضطلع بها أشد ما يكون قوة وفتاء، فكم استفاض على العالم العربي بكتبه ومبعوثيه من حاملي علمه ورسل إلهامه، وما كان علم الأزهر إلا نفوذا إلى أغوار البحث، وغوصا وراء الحقائق، وتجلية للأسرار والدقائق.

أهمية الأزهر كمركز عالمي للتعليم والثقافة الإسلامية :

ومن ثم، فإن علم الأزهر صقل الأذهان، وربى الملكات، وقوم الألسن، وأخرج الحقائق كالعرائس المجلؤة، والدر المنضد.

وكان الأزهر ولا يزال كعبة يحج إليها الناس من أقطـار الأرض، ينهلون من ورده، ويقبسون من نوره ، وأعظـم مـا يـدلنا علـى مـا لـهـذا الجـامع مـن مقام عظـيـم فـي الـعـالـم الإسلامي، هو عداد أسماء الذين يؤمونه من أقطـار خارج مصر، تمتد مـن أواسط أفريقية، إلى روسية، ومن أقاصي الهند إلى مراكش.

دور الأزهر في الحفاظ على اللغة العربية وتعزيز الثقافة :

وقد ظل الأزهر طول حياته سوقا للعلوم اللسانية، وسياجا للغة الفصحى يوطدها في البلاد العربية، ويشد أزرها في مختلف أقطارها. 

وكان من آثار الأزهر في مصر أن جعل لها مكانا ممتازا، وسلطائا أدبيا، وزعامة موفورةً على البلاد العربية، والشعوب الشرقية، وأصبحت هذه الأقطار تنظر إلى مصر نظرها إلى الهادي المرشد، وتعترف لها بالفضل وغلق المكانة، وتوفد بعوثها إلى هذا الخضم الزاخر، تنهل من علمه وثقافته.

 الدور الأساسي للأزهر الشريف كمعقل للمعرفة والعلم :

وعلى كل حال، إن للأزهر وحده الفضل في صيانة العلم في هذه البلاد على طول ما حلّ بها من المحن، وما عصف بها من ألوان الفتن، فلقد كان هو الينبوع الذي نهلت منه النهضة العتيدة، واستمد منه العلم الحديث ." (1)

 دور علماء الأزهر في مقاومة الاحتلال الفرنسي لمصر :

لمـا جـاءت الحملة الفرنسية إلى مصر كـان علماء الأزهر في مقدمة المقاومين للحملة ، وقد عرف الفرنسيون مكانة الأزهر في مصر فعمل نابليون على استمالتهم ، لكنه وجد صدا ومقاومة من علماء الأزهر ، وقد كانوا في طليعة المقاومة ضد الاحتلال في ثورات القاهرة المتتالية ضد الفرنسيين .

 دورًا الأزهر في تبني العلوم الحديثة مع التقاليد العلمية القديمة :

وقد كان علماء الأزهر في الطليعة من المصريين الذي أرادوا الاستفادة من العلوم الحديثة التي أتى بها الفرنسيون، فكانوا أكثر من غيرهم إفادة من هذه العلوم وأوثقهم صلة بعلماء الحملة ، وهذا مهد لهم إطلالة أوسع على علومهم ومعارفهم وأسرارهم .

الدور الريادي للأزهر في تشجيع العلماء على الابتكار والتجديد :

ويتضح هذا الاتصال أكثر ما يتضح في طائفة من العلماء عرفت بالميل إلى الحياة الاجتماعية، والرغبة في مسايرة العصر وتطوره ونهضته ، وكـان مـن هؤلاء : الشيخ عبدالرحمن الجبرتي ، مؤرخ العصر ، والشيخ حسن العطار ، الشاعر والكاتب.

دور الجبرتي كمؤرخ وعالم ، وتفاعله مع الحركة العلمية التي رافقت الحملة الفرنسية على مصر :

" أمـا الجبرتي: فقـد طـاف بحجـرات المجمـع العلمـي الـذي أنشـاه الفرنسيون، ومر بأروقته، وسجل ما رآه من علماء الفلك والطب والكيمياء، وما شاهده من عدد وآلات وتصوير، وما أُجري أمامه من تفاعل وظواهر وتجارب.

إسهامات الجبرتي كجسر بين الثقافات وكمؤرخ للفترة التي شهدت الحملة الفرنسية في مصر :

وقد كان حين قدم الفرنسيون ناضج العقل، قوى الشخصية، ملما بجانب من أصول الرياضة والفلك، واختاره الفرنسيون عضوا في الديوان الذي أنشأوه لمعاونتهم في حكم مصر، فكثر اتصاله بهم، واستمع لحديثهم، ووقف علـى كثيـر مـن أفكـارهم وآرائـهـم وثقافاتهم، وتـردد علـى أمـاكنهم، وزار معاملهم، ثم عاد فعبر عما رأى، وصور ما شاهد، وحدث عما طالعه من حضارة الفرنسيين ومدنيتهم، ومن تقاليدهم وعاداتهم، وكان حديثه التاريخي عن هؤلاء مرجعا تعرف به أحوالهم في الفترة التي قضوها بمصر.

 هذا إلى أن صلته بالفرنسيين، ومخالطته لهم، هذبت فكره، وصقلت قلمه، ونضجت آثـارهـم فـي كتابته التاريخيـة دقـة فـي التحرير، وإفاضـة فـي التصـوير، واستيعابا في سرد الحوادث، ونقدا لكل ما يتصل بالأحداث والرجال. (2)

-------------

(1) الأزهر وأثره في النهضة الأدبية الحديثة ، محمد كامل فقي ، المطبعة المنيرية بالأزهر الشريف، 54/1.

(2) الأزهر وأثره في النهضة الأدبية الحديثة ، 42،41/1.


اهتمام الشيخ العطار بالعلوم الغربية ورغبته في التعلم والتطور :

وأما الشيخ حسن العطار فكان هو الآخر يرغب في المعرفة والتطور، فقد "جد الشيخ في التحصيل حتى بلغ من العلوم في زمن قليل مبلغا تميز به، واستحق التصدي للتدريس، لكنه مال إلى الاستكمال والاشتغال بغرائب الفنون، والتقاط فوائدها.

تأثر الشيخ العطار بالثقافة الفرنسية واستفادته منها في توسيع معارفه :

وغرائب الفنون هذه، هي: الطب، والرياضة، والفلك، وقد وضع فيها عدة رسائل، وتكلم عنها في غير موطن من شعره، ولما جاء الفرنسيون إلى مصر اتصل بهم، فكان يستفيد منهم الفنون المستعملة في بلادهم، ويفيدهم اللغة العربية، ويقول: إن بلادنا لابد أن تتغير أحوالها، ويتجدد ما بها من المعارف مما ليس فيها، ويتعجب مما وصلت إليه تلك الأمة من المعارف والعلوم، وكثرة كتبهم وتحريرها، وتقريبها لطرق الاستفادة.

دور الشيخ العطار كوسيط ثقافي بين العرب والغرب، وتبادل المعارف بين الثقافتين :

فالشيخ حسـن العطـار كـان مستعدا بفطرتـه ورغبتـه فـي الاستكمال والاشتغال، ودعـاه حـبـه لغرائـب الفـنـون إلى الاتصال بالفرنسيين؛ ليقف علـى حضارتهم، وعلـومهم الحديثة، وثقافتهم الغربية، وهو علم الفرنسيين لغة العرب، وتعلم منهم لغتهم، وفي ذلك من تبادل الثقافة شيء كثير؛ إذ أنه ينقل بالاتصال بهم وتعلم لغتهم طرفا من علومهم ومعارفهم، ويقف بالتفاهم معهم على جوانب من أخلاقهم ومعيشتهم وعاداتهم، وهم يعرفون بالتفاهم معه طرفا من علم المصريين وأخلاقهم وعاداتهم ومعيشتهم ومعاملاتهم.

مساهمة الشيخ العطار في نقل العلوم والمعارف الفرنسية إلى العالم العربي :

ولابد أن يكون الشيخ حسن العطـار بـعـد ذلـك صـلة بين الفرنسيين والمصريين، عن طريق ما ينقله من علومهم وثقافاتهم؛ إذ أنه لولوعه بهذه العلوم سيتحدث بها ويغري غيره بتتبعها، ويتحقق به وبغيره من الأزهريين الذين كان لهم مثل هذا الاتصال التأثر بالفرنسيين ثقافاتهم وحضارتهم، قبل أن يتأثر بذلك غيرهم من الناس.(1)

التفاعل بين علماء الأزهر والفرنسيين وكيف أثر ذلك في تبادل الثقافات والمعارف :

وهكذا كان هذا الاتصال الوثيق بين الفرنسيين وعلماء الأزهر عاملًا قويا وذا أثر بليغ في الوقوف على حضارة الفرنسيين وعلومهم ، ومن هنا يمكننا القول : إن هؤلاء العلماء كانوا معبرا بين الثقافة الغربية والثقافة العربية المصرية ، وإن أفكارهم كانت أنضج الأفكار المصرية وأقربها للتأثر بالفرنسيين في ذلك الزمان .

الدور المحوري للأزهر في حفظ اللغة العربية والتراث الإسلامي والعربي، وتأثيره العلمي والثقافي الممتد من العصر الفاطمي حتى العصر الحديث :

فقد لعب الأزهر دورا مهما في حفظ اللغة العربية وآدابها، ويتمثل دوره في النهضة الأدبية بأنه المؤسس لبنيانها ، وله فضل كبير في صيانة التراث الإسلامي والعربي، حيث واصل في أداء رسالته في خدمة الدين واللغة على مر العصور، لا يثنيه شيئاً ويتضح هذا الفضل من خلال ما يلي :فضله في العصر الفاطمي :ظل الأزهر قرنين من الزمان(361-5567) معهداً لدراسة علـوم الدين واللغة، ودراسة الأدب والمنطق، وإلقاء المحاضرات للدراسة ، وكان يدرس فيه كبار العلماء ودرس فيه وزير المعز.فضله في العصر الأيوبي:استعان صلاح الدين الأيوبي بعلماء الأزهر للتدريس في المدارس التي أنشأها، وكان يدرس في هذه المدارس المواد التي تدرس في الأزهـر مـن فقـه وتفسير وحـديث ونحـو وصـرف وبيـان وإلى جانبهـا الرياضيات والمنطق .فضله في العصر المملوكي:في هذا العصر بعد الكارثة الكبرى، وسقوط بغداد على يد التتار واستيلاء المماليك على الحكم في مصر، كادت اللغة العربية أن تذهب وتنعدم بسبب حرق التتار للكتب وقتلهم للعلماء وإغلاقهم المدارس، وأصبح المسلمون محكومين بقوم غير جنسهم، ** من هنا كان دور الأزهر الذي أصبح ملجأ للهاربين من الظلم، وتشجيع المماليك للعلم والعلماء، خرج الأزهر علماء أناروا الدنيا بعلمهم، منهم علماء في اللغة وأهمهم: جمال الدين بن منظور صاحب کتاب"لسان العرب"، وبهاء الدين السبكي وكتابه في البلاغة "عروس الأفراح"، وشهاب الدين القلقشندي "صبح الأعشى في صناعة الإنشا"، وجمال الدين بن هشـام المصري وله كتب في النحو.ومنهم علماء في علوم الدين وأهمهم: الحافظ بن حجر شارح صحيح البخاري، وجلال الدين السيوطي صاحب مؤلفات متعددة.فضله في العصر العثماني فعندما أسرف الأتراك في محاربة اللغة العربية، وفرضوا اللغة التركية بدلاً من اللغة العربية، * عمل الأزهر بعلمائه الأجلاء على الاعتناء بلغة القرآن الكريم، ومن هنا وجدت اللغة العربية موئلا لها، خلال القرون الثلاثة التي حكم فيها العثمانيون البلاد، * وتخرج من الأزهر في هذه الفترة الحالكة علماء عظماء حافظوا على اللغة والدين، منهم الشيخ محمد الخراشي الذي ألف كتب منها"الشرح الكبير" و"فتح الجليل في مختصر الخليل" وهما في الفقه المالكي،  والشيخ عبد الله الدمنهوري وله مؤلفات فـي الحـديث والبلاغة والأخلاق، والشيخ عبد الله الشبراوي ولـه مؤلفات في الحديث والبلاغة والنحو والتاريخ، والشيخ حسن العطار اهتم بدراسة الفلك والرياضيات والطب، واستفاد من علوم الفرنسيين وحث على العلوم الطبيعية والحربية والأصول الهندسية،  ونادى بالإصلاح في العالم العربي.فضله في العصر الحاضر.

-------------

(1 ) ينظر : الأزهر وأثره في النهضة الأدبية الحديثة _ 43،٤٢/١.


الموضوع السابق :

تعليقات