الفصل الثالث : التربية والثقافة ج1

 الفصل الثالث: التربية والثقافة

الفصل الثالث : التربية والثقافة ج1 ، الأصول الاجتماعية والثقافية للتربية  2022 2023


عناصر الفصل :

  • مفهوم الثقافة
  • ظاهرة الإحلال الثقافي
  • خصائص الثقافة
  • الثقافة والمجتمع
  • طبيعة الثقافة
  • الثقافة والشخصية الإنسانية
  • علاقة التربية بالثقافة
  • أهمية دراسة المعلم للثقافة 

مقدمة :

يلعب مفهوم الثقافة Culture دورًا بارزًا في مختلف العلوم الإنسانية وخاصة العلوم الاجتماعية كعلم الاجتماع Sociology وعلم الإنسان Anthropology وعلم الإدارة Management وعلم النفس Psychology ويهتم أحد فروع علم الإنسان بدراسة الثقافات المختلفة ويتخذها محورًا لاهتماماته ...

وهذا هو علم الأنثروبولوجيا الثقافية  Cultural Anthropology  ولما كانت السمة الغالبة لهذا العلم تؤكد الإطار الثقافي كما تطور من الماضي إلى الحاضر فإن فرعًا جديدًا قد ظهر أخيرًا هو علم ثقافات المستقبل Cultural Futures ليضيف بعدًا جديدًا لأهمية هذا المفهوم في الحياة العملية حاضرًا ومستقبلاً.

إن مفهوم الثقافة يشير ببساطة إلى أسلوب معيشة الناس في مجتمع معين – وبذا يصبح الوعي بهذا الأسلوب وما يعانيه من مشكلات وما يتوق إليه من رغبات وآمال دليلاً على كون الإنسان مثقفًا، فقد يكون رجلاً أميًا لا يقرأ ولا يكتب ولم يؤت حظًا من التعليم النظامي ولكنه يعي مشكلات قريته ويشارك في حلها فهو حينئذ رجل مثقف.

وقد يكون هناك عالم في معمل للأبحاث لا يدري عن مجتمعه شيئاً ولا يعرف عن مشكلاته إلا القليل ولا يسخر أبحاثه لعلاج هذه المشكلات، مثل هذا العالم المتعلم الكبير إنسان غير مثقف.

وقد تركز الاهتمام حول دراسة حياة الشعوب منذ أمد بعيد ولعل العالم العربي المسلم عبد الرحمن بن خلدون يقفز في مقدمة هؤلاء الذين دعوا إلى دراسة الحياة الاجتماعية دراسة علمية وأطلق عليها اسم علم نظام العمران – وكان ذلك هو الأساس الذي بنى عليه "أوجست كونت" منهجه في دراسة المجتمع في العصر الحديث.

 ولذا اقترن اسمه بنشأة علم الاجتماع الحديث ومن بعده جاء "أميل دوركيم Emile Durkhiem " ليرسي قواعد النظرية العلمية لهذا العلم، ويقدم لنا اهتمامًا خاصًا بعلاقته بتربية الإنسان

تعريف تايلور للثقافة :

وكان أول من استعمل لفظ ثقافة في اللغة الإنجليزية "ماثيوارنولد إدوارد تيلور" (E. Tylor) في كتاب الثقافات البدائية (Primitive Cultures) حيث كتب تيلور 1870م ...

أن الثقافة تعني ذلك الكل المعقد الذي يشمل المعرفة والمعتقدات والفنون والقانون والقيم والمعايير والأخلاق والعادات والتقاليد وغيرها مما يكتسبه الإنسان من خلال حياته كعضو في المجتمع ...

وتأثر كل علماء الانثروبولوجيا بعد ذلك بتعريف تايلور حتى الآن ، وأخيرًا في عام 1950م ...

قام اثنان من أعلام الأنثروبولوجيا هما * كروبر (Kroeber) * وكلاكهون (Clicljphn)

بتقسيم التعريفات التي تناولت الثقافة حيث قاموا بتصنيف أكثر من 240 تعريفًا على أساس نقطة أو نقاط التركيز في التعريف إلى ستة أقسام كبرى:

تعريفات وصفية: ركزت على وصف محتوى الثقافة ومن أمثلتها تعريف تيلور سابق الذكر. 

تعريفات تاريخية: وهي تلك التي اعتبرت الثقافة مجموعة أنماط التراث الثقافي الموروثة عن الآباء والأجداد أي التي انحدرت لنا من الماضي ومن أمثلتها تعريف ادوارد سابير (E. Sapir) والذي يشير إلى أن الثقافة "هي التجميع الكافي من معتقدات الناس وممارساتهم التي تحدد معيشتهم والتي انحدرت لهم من الماضي".

تعريفات معيارية: وهي التي ركزت على أن الثقافة هي مجموعة تحكم حياة الناس في جماعة معينة في الحاضر منحدرة من الماضي والتي تورث إلى الأجيال اللاحقة".

تعريفات نفسية: وهي التي ركزت على عنصري التكيف والتعلم في حياة الأفراد والجماعات. ومن الأمثلة على ذلك تعريفات يونج (Younge) وكيلر (Keller) وميلر (Miller)

التعريفات البنيوية: وهي التي أكدت على عنصر التنظيم في الثقافة (Organization) وعلى خاصية النمطية (Cultural Patterning) ومن أمثلتها تعريف أوجبورن (Ogburn) ودولارد (Dollard) ولنتون (Linton) وقد غلب على هؤلاء جميعًا الاتجاه بالثقافة على أنها نمط لعادات الاستجابة لمؤثرات البيئة الخارجية.

تعريفات أكدت على عملية الابتكار والإبداع في حياة الناس: ومن أمثلة ذلك تعريف فولسوم (Folsom) للثقافة على أنها كل ما أنتجه الإنسان من أدوات ورموز وتنظيمات واتجاهات وأنشطة ومعتقدات.

ويلاحظ أن كل هذه التعريفات : 

 أهملت عنصري المستقبل والتكنولوجيا الحديثة 

وهذا ما دعا (هاركنز) إلى وضع تعريف له بعد مجهودات عديدة، والتعريف كالتالي: 
"الثقافة نظام عام مفتوح (Open Macro- System) يضم مجموعة من الأنظمة الفرعية التي تشمل تكنولوجيا الحياة الحاضرة والمتوقعة (ويدخل في ذلك الأنظمة المادية وغير المادية) والناتجة عن تفاعل الإنسان مع غيره من بني جنسه ومع البيئة المحيطة به على مدى زمني يمتد من الماضي إلى الحاضر إلى المستقبل".


ويلاحظ على هذا التعريف ما يلي:

* أنه ينظر إلى الثقافة على أنها نظام عام أو نظام كبير. ومعنى ذلك أن الثقافة تتميز بالوحدة وبالشكلية وبالتكامل في الوقت نفسه الوقت، كما يعني أنها مفتوحة لتأثيرات الثقافات الأخرى.

* إن الثقافة كنظام يضم تكنولوجيا الحياة يؤكد على قدرة الإنسان على الابتكار والتجديد فالثقافة من صنع الإنسان وحده وهي عنصر يميزه عن سائر الكائنات وتشير كلمة تكنولوجيا إلى الوسائل وإلى التطبيق، كما تشير أيضا إلى الأفكار الجديدة، وعلى ذلك تقرر أن مفهوم الثقافة يجمع بين الفكر والتطبيق والوسيلة.

* إن فكرة التفاعل في هذا التعريف تشير إلى إيجابية العنصر البشري وقدرته على التأثير في قوى البيئة المحيطة.

* يترتب على هذه النظرية لمفهوم الثقافة اتساع محتواها ليشمل كل أنشطة الإنسان المنظمة. فالنظام السياسي جزء من الثقافة يميز المجتمع عن غيره من المجتمعات وهو بذلك تكنولوجيا تنظيم القوة والسلطة والإدارة والحكم في مجتمع معين ...

والنظام الاقتصادي جزء من الثقافة باعتباره تكنولوجيا تنظيم وسائل الإنتاج وأدواته وأساليب توزيع الثروة وما يستتبع ذلك من إنتاج واستهلاك وادخار. والنظام التعليمي جزء من الثقافة باعتباره تكنولوجيا إعداد البشر...إلخ

* يؤكد هذا المفهوم قدرة الإنسان على إعادة حياته بصورة أفضل نحو تحقيق أهدافه ومن هنا كان دور الإنسان كصانع للتغيير، ويصبح دور التربية بالغ الأهمية كوسيط للتغير الثقافي، وإعداد الإنسان عمليا وفنيا للقيام بهذا الدور.

* يؤكد هذا المفهوم على التأثير المتبادل بين الأنظمة الفرعية للثقافة دون سيطرة أحدها على الآخر أو تفوق عنصر على آخر في تشكيل الثقافة على خلاف ما نادت به المدرسة المادية مثلاً من تفوق العنصر الاقتصادي في تشكيل الثقافة على أنه العامل المجدد الأساسي.

وإذا كانت الثقافة تتكون من بعدين – مادي ومعنوي – إلا أن هذين البعدين يختلفان من حيث سرعة التغير التي تنتابه، ففي حين نجد أن التغير الحادث في الجانب المادي سريعٌ متلاحقٌ، يكون التغير في الجانب المعنوي أبطأ، وإن اتسما سويًا بالتغير، وعندما تزداد الهوة بين الجانبين المادي والمعنوي من جراء التباين في سرعتيهما ...

تحدث ظاهرة يسميها البعض التخلف الثقافي والتي يمكن التعبير عنها بصورة أخرى بأنها عملية عدم استطاعة التكيف فيما بين الجوانب المادية والمعنوية من الثقافة نظرًا لتغير أحدهما – الجانب المادي – بصورة أسرع بكثير من الجانب المعنوي. 

مما يؤدي إلى عدم الانسجام بينهما ويطلق البعض عليها أيضًا مسمى آخر هو "الفراغ الثقافي".




تعليقات