صفات الباحث الناجح :
1-"موهبة البحث" :
2-"طاعة الله تعالى" :
3-"الإخلاص والتجرد":
4- "سعة الاطلاع وعشق القراءة" :
5-"حب العلم والتلذذ به" :
ينبغي على الباحث أن يكون محبا للعلم، متلذذا به لا يشعر بضيق منه مهما طال به طريق العلم ومهما كان صعبا عليه حتى يستطيع أن يقدم بحوثا جديدة، مفيدة ونافعة، فالإنسان لا يجيد في أي مجال إلا إذا كان محبا لهذا المجال، مقبلا عليه، وهكذا في مجال البحث لن يجيد فيه الباحث إلا إذا كان محبا له .
6-"الإحاطة بمناهج البحث" :
من الصفات المهمة التي ينبغي أن يتحلى بها الباحث، إحاطته بمناهج البحث، ومقومات كل منهج منها وما بينها من اختلافات حتى يستطيع أن يحدد لنفسه المنهج الذي يتلاءم مع موضوعه والذي سيسير على أسسه في دراسة موضوعه.
لابد أن يكون لدى الباحث دراية تامة بمقومات المنهج الفني والمنهج النفسي، والمنهج التاريخي، والمنهج الاجتماعي والمنهج الجمالي والمنهج التكاملي ( الذي يجمع المناهج السابقة في إطاره) وغيرها ،
وهي مناهج بحثية أكثر منها نقدية، يطبقها الباحث في بحثه، قد يلتزم بأحدها أو بعضها، وقد تقتضي طبيعة الدراسة خضوع الباحث لهذه المناهج كلها.
كل في موضعه المناسب من البحث.
وإذا لم تكن لدى الباحث دراية بطبيعة هذه المناهج ومقوماتها فسيخلط بين الأمور ويخرج بحثه مشوشا.
ومعروف أن المنهج هو الطريقة التي يعالج بها الباحث خطة البحث، ويعرض بها قضاياه وعناصره.
وعليه لابد للباحث أن يكون عالما بمناهج البحث المختلفة، حتى يستطيع أن يخضع مادة بحثه لهذا المنهج أو ذاك، وأن يغير في منهج بحثه الخاص حسبما تقتضيه طبيعة السير فيه ، بما يحقق الفائدة المرجوة والنتائج المنشودة.
-----------------------------
(۱) أضواء على البحث العلمي وقواعده ، ص۱۹ ، وانظر : أدب الدنيا والدین ، ص۱۷.
ولا يظن الباحث - كما يفعل بعض الدارسين وينص على ذلك في مقدمة بحثه - أن منهج البحث يقتصر على جمع المادة ثم وضعها في أبواب وفصول متناسقة، ثم يفصل القول في تلك الأبواب والفصول في مقدمة البحث، فهذه خطة البحث وليست منهجه، إنما المنهج شيء آخر كما أشرنا ، وسنفصل القول في مناهج البحث في مكان آخر.
7-"التشكك" :
ولا نعني به التردد القائم على الوسواس والاضطراب النفسي عند الباحث، فلا يستطيع القطع بحكم في قضية، وإنما المقصود بالتشكك هنا ألا يسلم بنتيجة توصل إليها من أول الأمر، وإنما يشك في صحتها فيدرس ويناقش ويحلل ليتأكد من صحتها قبل تسجيلها.
ويقصد به كذلك ألا يأخذ الباحث آراء الآخرين على أنها قضايا مسلمة، كأن يقف الباحث أمام رأي كاتب كبير ويسلم به دون مناقشة بل عليه التشكك والمناقشة للوصول إلى الحقيقة والصواب، بموافقة صاحب الرأي أو مخالفته مع ذكر الأسباب.
فالباحث هنا مطالب « بألا يأخذ آراء الغير على أنها حقيقة مسلّم بها. فكثير من الآراء بني على أساس غير سليم فليدرس الباحث آراء غيره ودعائمها، فيقر منها ما يتضح له صحته، ويرد ما لم يكن قوي الدعائم » (1) .
فلا يقال : هذا باحث كبير، أو ذاك عالم مشهور، بل عليه أن يدقق في آرائهم وأفكارهم فقد يصوب خطأ وقع فيه أحد الباحثين الكبار أو عالم مشهور عن طريق الحجة القوية، والدليل المقنع والبرهان الساطع فلا أحد من البشر معصوم من الخطأ.
---------------------------------
(1) كيف تكتب بحثا أو رسالة ، ص15.
(2) البحث الأدبي ، د.شوقي ضيف ، ص18.
ولا شك في أن « من أساسيات البحث الشك في كل ما يتوصل إليه من نتائج أو حقائق، فهذا يدفعه إلى مراجعة نفسه مرة بعد أخرى ومراجعة مصادره كذلك ليصل إلى درجة اليقين، وقديما قالوا: الشك خير موصل إلى الحقيقة، ورحم الله أبا حامد الغزالي فقد كان يقول: « إن الشكوك هي الموصلة إلى الحق، فمن لم يشك لم ينظر ومن لم ينظر لم يبصر ومن لم يبصر بقي في الغي والضلال » .
والشك العلمي شيء يخالف التردد الذي يبتلى به بعض الناس لأن الشك العلمي الذي نقصده ظاهرة صحية يتمتع بها الباحث تعينه على التثبت من كل ما يقرأ، ومراجعة كل ما يصل إليه من نتائج» (1) .
8-"الالتزام بالأخلاق الفاضلة" :
الالتزام بالأخلاق الفاضلة أخلاق العلماء التي ينبغي أن تتوافر فيهم صفة ينبغي أن يتحلى بها الباحث لينال ثقة الآخرين في فكره وعلمه وتحقيق بحوثه مكانة عالية، فلا يدفعه علمه الغزير إلى غرور أو كبرياء، وإلا حكم على نفسه بالفشل الذريع، والفناء السريع.
« فالعالم الذي لم يستفد بعلمه خلقا فاضلا ولم تظهر ثمرته في مسلكه وتصرفه هو بعيد كل البعد عن لب العلم وجوهره لأن العلم لم يمس شغاف قلبه، وقد شبه الله تعالى اليهود في علمهم بالتوراة ولم يعملوا بها، ولم يستفيدوا بما عملوا بالحمار يحمل الكتب النافعة والأسفار العظيمة، ولا يعرف ماذا يحمل وذلك في قوله تعالى :
{ مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا } (2).
وصدق الشاعر إذ يقول :
لا تحسبن العلـم ينفـع وحـده
مـا لـم يـتـوج ربـه بـخـلاق
والعلـم إن لم تكتنفـه شـمـائل
تعليـه كـان مطيـة الإخفـاق
-----------------------------------
(1) أضواء على أسس البحث العلمي وقواعده ، ص۲۳.
(2) سورة الجمعة : من الآية (5).
التواضع :
ومن أهم الأخلاق التي يتحلى بها الباحث التواضع وعدم الإصرار على الخطا، فالتواضع من أهم الصفات التي يتحلى بها الباحث، لأن التواضع عطوف، والعجب منفر، وهو بكل أحد قبيح وبالعلماء أقبح، لأن الناس بهم مقتدون،
ولأن في التواضع مراجعة للنفس وخضوعا للحق وفي الكبر تعمية وإضلالا، وبعدا عن طريق الصواب ، فالباحث والعالم كلاهما زينتهما في التواضع ولين الجانب، لا في الشكل والملبس ،ومن ثمارالتواضع أنه يدفع الباحث إلى تصحيح خطأ وقع دون ترفع أو مكابرة، فهو يعلم أن الرجوع إلى الحق فضيلة، بل هو رأس الفضائل»(1).
ومن ثمار التواضع أيضا احترام الباحث آراء الآخرين وتقديرها،حتى وإن كانت متعارضة مع رأيه، فلا يدفعه الاعتداد برأيه إلى احتقار الآخرين والسخرية منهم، وتحقير آرائهم وأفكارهم، حتى وإن تبين له خطؤها، فإن عليه أن يعالج هذا الخطأ بتواضع وأدب رفيع.
وهكذا ينبغي « على الباحث أن يلتزم بأدب البحث ويتحلى بتواضع العلماء، حتى يتجنب الزلل في المتاهات التي تنافي روح البحث ولا تتفق مع وروح الباحثين.
ومن ثم يتجنب الباحث الغرور العلمي الذي يقوده للحط من آراء غيره ، والزراية من نتائج سابقيه أو النيل من شخصياتهم وأعمالهم - حتى ولو كان صائبا في عرضه ونقده - لأن هذا يهبط بعمله ويحط من قيمته ، ويقلل من شأنه وينفر من متابعة بحثه» (2).
-----------------------------
(1) السابق ص۱۹، ۲۰.
(2) البحث الأدبي ، د/ السيد أبو ذكرى ، ص۲۷.
9-"الأمانة العلمية":
« وهي ركيزة هامة في إخراج البحوث ، فالبحث العلمي مسئولية كبيرة لا يتهاون بها إلا من جهل معنى البحث ، وهذه المسئولية تتطلب من الباحث الأمانة العلمية ، بمعنى أن يدقق في نقل النصوص من المراجع والمصادر ، وينقلها نقلًا صحيحا دون تغيير أو تحريف وأن يتجرد في فهمها ، وأن يقوم بتوثيقها بنسبتها إلى أصحابها ...
ولذا فإن تسجيل مراجع البحث ومصادره في نهاية البحث يعد أمرا جوهريا في تقييم البحوث والحكم عليها ، والتغاضي عن ذلك يعد خدشا في أمانة البحث وخللًا جوهريا فيه لا يمكن تجاهله أو التقليل من شأنه .
وقد أشار بعض الكاتبين إلى مسألة هامة تتعلق بالأمانة العلمية أعني بها الأمانة عند الانتهاء إلى نتيجة، فلا يحاول أن يلوي عنق الحقائق لكي تتمشى مع رأيه هو وهواه، وإنما عليه أن يكون أمينا في تقويم الحقيقة مهما بدت مخالفة لميوله أو معارضة لهواه.
- ومن الأمانة أيضا أن يعترف بالجهود التي بذلت سواء من سابقيه أو معاصريه والتي تتصل بالموضوع الذي يعالجه، فلا يتغاضي عنها بل ينبغي أن يشير إليها ويستفيد منها، وأن يناقش الرأي المخالف منها بأدب جم تقديرا منه لجهود هؤلاء وأولئك» (1) .
- ومن الأمانة كذلك أن « يحذر الباحث النقل عن ناقل من المرجع الأصلي ، فربما أخطأ في النقل أو زيف النص لحاجة في نفسه، و أيضا لكي لا نخمد البحث بكسلنا وتلصصنا على جهود الغير، ولكي لا يكون البحث مكرزا لا فائدة منه» (2).
- ومن الأمانة « الإشارة إلى صاحب كل فكرة أو رأي يتضمنه البحث في متنه أو هامشه وضرورة التفريق بين نقل النصوص حرفيا أو إعادة صياغتها، لأن الخلط بينهما يؤدي إلى اتهام الباحث بالسرقة وعدم الأمانة، ويحول دون معرفة الظروف أو الملابسات التي تصاحبها.
--------------------------
(1) أضواء على أسس البحث العلمي وقواعده ، ص۲۲، ۲۳ .
(2) محاضرات في أدب البحث ، ص۲۷، ۲۸ .
- ومن أمانة النقل الإشارة في الهامش إلى المصدر، والصفحة التي اقتبس منها، واسم مؤلفه ومكان نشره والسنة التي ظهر فيها من باب التسهيل لمن يريد أن يستوثق من المصدر.
- كذلك من أمانة النقل عدم الاعتماد على مؤلفات ذات ميول خاصة أو مؤلفين معروفين بعدم الدقة، مهما اتصفت أعمالهم بالموضوعية» (۱) .
10-"نبذ التحيز والعصبية" ( الموضوعية ) :
من أهم صفات الباحث الصدق والحيدة المطلقة وعدم التحيز لصاحب رأي أو فكر إلا بدليل مقنع وبرهان ساطع، كما أنه لا يتعصب لرأيه مهما كان، بل عليه أن يتقبل النقد، وأن يرجع عن رأيه إذا تبين له أنه خطا فلا يتعصب لرأي أتي به بأي حال من الأحوال بل يجب أن يكون موضوعيا ...
وذلك « بحياده الفكري في كل ما يقرأه ويسجله ويدونه، وتجرده من الأهواء الشخصية، وتخلصه من الأوهام الذاتية، وحرصه على أخذ ما يراه حقا، ويؤمن بصوابه، ويدعم كل ما يذهب إليه.
وخلال ذلك كله لا يغيب عنه الدليل القاطع أو الحجة الدامغة فيما يصل إليه، مع تجنب الميل لهوى، والجنوح لما يطغى على موضوعية البحث والدرس» (۲) .
كذلك يقتضي نبذ التحيز والعصبية، وتقتضى الموضوعية من الباحث «ألا يحذف الدليل أو الحجة أو النظرية التي تعارض رأيه وتعادي مذهبه وتنقض اتجاهه، ويرد عليها بما يتفق واتجاهه، ولا يتعارض مع رأي الأغلبية في مجال التخصص» (۳) .
وتقتضى الموضوعية ونبذ التحيز والعصبية من الباحث أيضا ألا يدون ما دونه السابقون بتحيز دون دليل أو حجة، والا يعارض ما دونه السابقون دون وعي أو فهم، ودون حجة أو دليل وأن يدعم أراءه الشخصية بأراء علمية ذات قيمة، وأدلة قوية تحمل الآخرين على الاقتناع بها والتسليم بموضوعيته في بحثه.
------------------------------------
(۱) البحث الأدبي ، د/ السيد أبو ذكرى ، ص۲۳.
(۲) البحث الأدبي ، د/ السيد أبو ذكرى ، ص٢٦ .
(۳) السابق ص۲۷، ۲۸.
ولا شك في أن التحيز والعصبية في البحث يبعدان الباحث عن الصواب والموضوعية وهذا من شأنه أن يضعف بحثه ويقلل الثقة فيه.
وتقتضى الموضوعية كذلك « أن تسود الدقة أبحاث الباحث وأن ينظم عرض أفكاره عرضا منطقيا ينتهي لنتائج مقبولة لا تناقض فيها تقوده الأمانة في النقل والعدالة في النقد والسلامة في العرض والقوة الأداء،
وعدم التسليم بآراء سابقيه على أنها حقيقة مسلمة حيث تبنى بعض الآراء على أسس غير سليمة، لذا كان من الدقة تمحيص ما يقرؤه، وفحص ما يتناوله، حتى يعتمد الموضوع على دعائم صحيحة وأسباب قويمة» (1) .
11 -"الصبر والمثابرة":
« من أهم سمات الباحث الصبر والمثابرة ، فالبحث طريقه طويل وشاق ومليء بالصعاب فإذا لم يكن الباحث متذرعا بالصبر والمثابرة على العمل فإن الياس يتسرب إلى نفسه فيصرفه عن طريقه ، وقد وجه الصحابي العالم عبد الله بن عباس رضي الله عنه إلى هذه الخاصية في قوله:
« لو كان أحد مكتفيا من العلم لاكتفى منه موسى على نبينا وعليه السلام، ولما قال : { هل أتبعك على أن تعلمن مما علمت رشدا }(2)
وكان جابر بن حيان ينصح بالدأب والصبر والمثابرة وعدم اليأس من الكشف عن الحقيقة المنشودة، فما أكثر ما يقتضي البحث عناء شديدا قد لا يحتمله الباحث فينفض عنه في يأس وقنوط، لكن الباحث الذي يريد الوصول إلى الحقيقة يجب عليه المثابرة التي لا تعرف إلى اليأس سبيلا ...
ويستشهد ابن حبان في هذا السياق بالآية الكريمة : { ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون }(3)، (4).
-------------------------
(1) السابق ص٢٦ .
(2) الكهف : من الآية (66).
(3) يوسف : من الآية (٨٧).
(4) أضواء على أسس البحث العلمي وقواعده ، ص۲۰، ۲۱، وانظر : محاضرات في بعض طرق إعداد البحث ، ص۲۱ وما بعدها.
ولا شك في أن هذه الصفة « الصبر والمثابرة ضرورية للباحث لأنه سيواجه حتما في بحثه صعوبات وعقبات فإن لم يتحل بالصبر والمثابرة حينئذ سيتسرب اليأس إلى قلبه، فينصرف عن الموضوع، وإذا كان هذا دابه فلن يستطيع أن يتم بحثا .
ومما لا شك فيه أن صبر الباحث يكون في مواجهة الصعوبات والمشكلات التي تواجهه في بداية بحثه، فإذا ما تلاحقت الصعوبات عليه وتعددت العقبات كانت المثابرة منه على استمرار البحث، ومواصلة العمل فيه دون انقطاع.