أثر رفاعة الطهطاوي في النهضة الأدبية الحديثة

أثر رفاعة الطهطاوي في النهضة الأدبية الحديثة






دور رفاعة الطهطاوي في بناء نهضة مصر الحديثة :


 الشخصية المهمة لرفاعة الرافع ودوره في البعثة التعليمية :

هو رفاعة بدني رافع ، اختارة محمد علي 1830 م إماما للبعثة ، وكان نابغة يقرأ في كل شئ ، ولد / 1798 - 1801م .

دور رفاعة الطهطاوي كرائد في النهضة العلمية في مصر :

هو إمام النهضة العلمية في مصر الحديثة غير مدافع، وهبه الله لمصر كي يزودهـا بنـور الـعلـم؛ فكـان مشعلا ساطعا بـدد الجهـل وسـلفته، وأنـار الطريق لآلاف العقول والقلوب، ووضع اللبنات الأولى القوية في صرح ثقافتنا الحديثة.

رحلة رفاعة الطهطاوي وتأثيره على النهضة العلمية في مصر:

أُوتي القلب الذكي، والعقل الصافي، والنشاط الموفور، والبصيرة النفاذة، والعزيمة المبرمة؛ فما أضاع ساعة منذ وضع رجليه على سلم الباخرة التي أقلته إلى فرنسا إلّا وأمامه الهدف الذي رسمه لنفسه ولوطنه، وظل هذا دأبه إلى أن انطفأ مشعل حياته.

الفخر بالنسب الحسيني والتجذر في الهوية المصرية :

هو مصري صميم، من أقصى الصعيد، يتصل نسبه من جهة أبيه بسيدنا الحسين -رضي الله عنه، وقد أشار إلى هذا النسب قوله:


حسيني السلالة قاسمي ... بطهطا معشري وبها مهادي

دور الشيخ حسن العطار في اكتشاف رفاعة الطهطاوي : 

ومن جهة أمه بالأنصار الخزرجية، ولد في طهطا، وكان أجداده من ذوي اليسار وممن تولوا مناصب القضاء بمصر، ثم أخنى عليهم الـدهرن وحينما ؤلد كانت أسرته في عسر، فنشأ نشأة معتادة بين أبوين فقيرين، وقرأ القرآن، وتلقى العلوم الدينية، كما يتلقاها عامة طلبة العلم في عصره، ودخل الأزهر كما دخله غيره، وصار من علمائه كما صار كثيرون، ولكن ذكاءه وحبه للعلم، وإقباله على التحصيل، لفت إليه نظر الشيخ حسن العطار شيخ الجامع الأزهر في ذلك الوقت، وكان الشيخ العطار من أفذاذ عصره في العلم والأدب والفنون الحديثة، فاقتدى به تلميذه الشيخ رفاعة، فقرأ كثيرًا من كتب الأدب، ومهر في فنونه وهو بعد في الأزهر، ثم تولّى التدريس سنتين؛ ظهر فيهما استعداده للتعليم والتثقيف؛ إذ أحبه تلاميذه حبًا جمًا، وتعلقوا به وبدروسه.

دور رفاعة الطهطاوي كمعلم متميز في الجامع الأزهر :

وكان -رحمه الله- حسن الإلقاء؛ بحيث ينتفع بتدريسه كل من أخذ عنه، وقد اشتغل في الجامع الأزهر بتدريس كتب شتّى: في الحديث والمنطق والبيان والبديع والعروض وغير ذلك، وكان درسه غاصا بالجم الغفير من الطلبة، وما منهم إلا من استفاد منه، وبرع في جميع ما أخذوه عنه، لما علمت من أنه كان حسن الأسلوب سهل التعبير، مدققا، محققا، قادرًا على الإفصاح بطرق مختلفة؛ بحيث يفهم درسه الصغير والكبير بلا مشقة ولا تعب، ولا كد ولا نصب.

الجوانب الأساسية التي شكلت مسيرة رفاعة الطهطاوي :

ثم عين واعظا وإماما لإحدى فرق الجيش في سنة ١٨٢٨، فاعتـاد حيـاةً جديدة عنوانها: النظام والطاعة، ومحبـة الـوطن والدفاع عنه، ومواجهة الأخطار، وقد كان لذلك أثر كبير في حياته، فعاش محبًا للنظام، في كل ما تولاه: في تلقي العلوم، وفي التأليف والتعريب، وفي حسن تنظيم المعاهد التي تولّى إدراتها، شغوفا بوطنه مخلصا له طول حياته.

دوره كإمام للبعثة العلمية الأولى التي أرسلها محمد علي :

وكان من حسن حظه وحظ مصر أن طلب محمد علي إلى الشيخ العطار أن يختار له من علماء الأزهر إماما للبعثة الأولى، يرى فيه اللياقة لتلك الوظيفة1، فوقع الاختيار على الشيخ رفاعة ، حيث اختارة محمد علي 1830 م إماما للبعثة الأولى .

دور رفاعة الطهطاوي كإمام للبعثة العلمية المصرية إلى فرنسا، :

ولم يكن مطلوبا من إمام البعثة أن يحصل شيئا مـن علـوم الفرنسيين، ولكن حسبه أن يؤدي مهمته من وعظ الطلاب وإرشادهم إلى ما فيه خيرهم، ونصحهم إذا ضلت السبل، وإمامتهم حين الصلاة، ولكن الشيخ رفاعة كان ذا نفس طموح، فما أن قامت به وبصحبه الباخرة من مصر حتى ابتدأ يتعلم؛ فأجلوه وأكبروه، واهتم في دراسته بالتاريخ والجغرافية، والفلسفة والأدب، وقرأ بعض الكتب في علم المعادن وفنون الحرب والرياضيات ، ومالت نفسه وهو بباريس إلى التأليف والتعريب، فوصف رحلته ، وسماها: "تخليص الإبريز في تلخيص باريز"، وقد كان أستاذه العطار قد أوحى إليه بذلك، وعـرب نـحـو اثنتي عشرة رسالة فـي مختلف الفنون والعلـوم: مـن هندسة، ومعادن، وطبيعة، وتاريخ، وتقـويم، وميثولوجيا، وعلـم الصـحة، والأخلاق، وترجم كذلك في باريس كتابه "قلائد المفاخر في غريب عوائد الأوائل والأواخر ،حيث اهتم بالمعادن والفلك والآثار والجغرافيا وجميع المجالات ...

وهو أول من كتب من المصريين في المباحث الدستورية، مع أن هذه المباحث كانت مجهولة في تاريخ مصر القومي، وذلك أنه درس في أثناء إقامته بباريس نظام الحكم في فرنسا؛ وعرب في كتابه "تخليص الإبريز" دستور فرنسـا فـي ذلـك الـحـيـن، 

ومـا تـضـمنـه مـن نـظـام المجلسين واختيـار أعضائهما، وحقوق الأمة أفرادا وجماعات، ولـم يكـن يكتفي بالتعريب، بل كان يعلق بما يدل على سعة فهم وصحة حكم، وميل فطري للنظم الحرة1. 

وكـان الشيخ رفاعـة فـي بـاريس موضع إعجـاب أساتذته وإكبـارهم، لتمـام رجولته، ونضج عقله، وحسن تصرفه، وشدة إقباله على الدرس والتحصيل، والعمل على نفع أمته ...

 ثم عاد إلى مصر سنة 1831، بعد ست سنوات قضاها مكبًا على الدرس والتحصيل: يطـالـع، ويقـرأ، ويكـتـب ويـعـرب، ويجـالس العلمـاء ويشـاركهم البحث والمناظرة، وينعم النظر في أحوال الشعوب الأوروبية وتاريخها، وأسباب حضارتها وتقدمها، واستقر عزمه وهو في باريس، 

على أن يخـدم بلاده عن طريق نقل العلـوم الغربية إلى مواطنيه، فتتسع أفكارهم، وتنمـو مـدراكهم، مقتفيـا فـي ذلـك آثـار الدولة العباسية؛ إذ بدأت نهضـة العلـوم والمعارف في عهدها بترجمة كتب اليونان إلى العربية .

ولقد بر بوعده؛ فملأ البلاد علما وحكمة، وحمل نواة النهضة وخدمها بتأليفـه وتعاريبـه وتلاميـذه الـذين تخرجـوا عـلـى يـديـه فـي مدرسة الألسـن وغيرها.

الوظائف التي قام بها :

لمـا رجـع ولـي منصـب الترجمـة، وتدريس اللغة الفرنسية في مدرسة الطب بأبي زعبل، ثم انتقل إلى مدرسة المدفعية بطرة، وعهد إليه ترجمة العلوم الهندسية والفنون الحربية * والألسن ... وظلّ الشيخ سبعة عشر عاما وهو دائب في عمله لا يمل ولا يكل، وفي كل آونة يضاف إليه عمل جديد يتقبله بصدرِ رحب وعزيمة قوية، 

وكلما زاد اجتهاده ونتاجه زاده أولـو الأمر مكافأة له وتقديرًا؛ فمنحه محمد علي رتبة (أميرالاي) ، وأعلي راتبه الشهري ومنحه قطعة كبيرة من الأراضي الزراعية في مدينته طهطا (1) .

وأسـنـد إلـي رفاعـة بـك مـع إدارة المدرسة إدارة عدة معاهـد: المدرسة التجهيزية، ومعهـد الفقه والشريعة الإسلامية، ومعهد المحاسبة، ومدرسة الإدارة الإفرنجيـة، والتفتيش علـى مـدارس الأقاليم، وتحريـر الوقـائع المصرية، وبعد سنوات تخرجت الدفعة الأولى في مدرسة الألسن؛ فتلقفتهم مصالح الدولة المختلفة، 

وابتدءوا يفيضون وأستاذهم على مصـر مـن بحـور الغرب وكنوز ثقافته، ما كان دعامة لنهضتنا الحالية (2) .

----------------

(1) ينظر : في الأدب الحديث ، عمر الدسوقي ٣٤:٢٥/١.

موقف عباس الأول معه ( الخديوي إسماعيل ) ونفيه 1947 إلى السودان  :

ولكن الدنيا لا تدوم على حال، فما أن مات محمد علي، وتولّى عباس الأول الحكم، حتى أغلق المدارس جميعها إلّا القليل، وألغى مدرسة الألسن والشيخ رفاعة معها، بحجة الاقتصاد في النفقات، 

ولأن حاشية السوء لما رأت ميل الوالي إلى محاربة التعليم والعلماء خاضـوا فـي الشيخ رفاعة وطريقتـه، ورموها بالعقم، فنفاه عباس الأول إلى السودان تحت ستار إنشاء مدرسة ابتدائية هناك، وتعيينه ناظرًا لها، ومعه طائفة من أكابر العلماء.

ولم تكن الخرطوم كما هي اليـوم فـي نظافتها ومبانيها، وتوفر وسائل العيش بها، وإنما كانت مدينة صغيرة تصعب الحياة فيها على من ألف حياة باريس والقاهرة، وعلى كل من يشرف على التعليم كلـه بمصر، فإذا هو يشرف على مدرسة ابتدائية صغيرة بالخرطوم.

مؤلفاته العلمية والأدبية:

ومن آثاره أنه ألف وترجم عن الفرنسية كتبا كثيرة، منها (قلائد المفاخر في غرائب عادات الأوائل والأواخر - ط) مترجم، وأصله لدبنج Depping، و (المعادن النافعة) لفيرارد Ferard، و (مبادئ الهندسة) و (المرشد الأمين في تربية البنات والبنين ) في حقوق الإنسان و (نهاية الإيجاز) في السيرة النبوية، و (أنوار توفيق الجليل) في تاريخ مصر،

 و (تعريب القانون المدني الفرنساوي) و (تاريخ قدماء المصريين - ط) و (بداية القدماء - ط) و (جغرافية ملطبرون) Malte - Brun و (جغرافية بلاد الشام) رسالة في 53 ورقة، و (التعريفات الشافية لمريد الجغرافية) و (تخليص الإبريز) رحلته إلى فرنسا.

 قال عمرطوسون: وهـو مؤسس مدرسـة الألسـن وناظرهـا، وأحـد أركـان النهضـة العلمية العربية بل إمامها في مصر (3) .

-------------

(2 ) ينظر : في الأدب الحديث ، عمر الدسوقي ،٣٤:٢٥/١.

وفاته :

ظل هذا العالم الجليل يدأب ويجـد فـي نشـر الثقافة وفتح أبواب العلـم والنور للأمة المصرية، حتى توفي سنة ١٢٩٠ هـ ١٨٧٣م، وله من العمر  75 سنة.

وقـد بقـي تلاميذه مـن بعـده، وطريقتـه التـي اسـتنها، وكتبـه التـي ألفهـا وترجمها، تهيب بالأمة أن تسير على سنته، وأن تنقل من آثار الغرب ما يزيل صدأ السنين عن عقول طالت غفلتها. (4)

وهكذا كانت حركة الإصلاح التي قام بها رفاعة الطهطاوي في مصر نقلة كبيرة في سبيل تطور الأدب بالإفادة من العلوم التي ترجمها وبتمهيده لزيادة عدد المتعلمين الذين حملـوا شعاع التقـدم مـن بعـده ، وقـد انتجـت مدارسه التي أنشأها وأفكارها التي زرعها أجيالا بعده ساعدوا في التطور والتقدم ونفض غبار مراحل الضعف والتخلف .

---------------

المصادر والمرجع :

(3) الزركلي : (الأعلام) ، دار العلم للملايين، ج3، ط 15 بيروت ۲۰۰۲ م ،ص۲۹،۳۰ .

(4) ينظر : في الأدب الحديث ، عمر الدسوقي ٣٤:٢٥/١.



تعليقات