حالة الأدب قبل العصر الحديث

حالة الأدب قبل العصر الحديث

بدايات النهضة الأدبية الحديثة ، تاريخ الأدب الحديث ، ‏الفرقة الرابعة عامة 2022

حالة الأدب قبيل العصر الحديث :

الحكم التركي في مصر والأثر الثقافي والاجتماعي لثلاثة قرون :

ظلت مصر والبلاد العربية ثلاثة قرون تحت الحكم التركي ، وقد اتسم هذا العصر بالضعف على المستوى العلمي والثقافي والأدبي ؛ فقد  ( عانى الشـعب مـن وطـأة الظلم والقهـر ) الـذي عـم الـبلاد ، وفقدت البلاد العنايـة والرعاية بالعلوم والفنون ، وظلت تتخلف على جميع المستويات ؛ فلم يكن للولاة الأتراك هم إلا استدرار الأموال بأية وسيلة، غير معيرين صرخات الشعوب العربية التفائًا، وغير مهتمين بما يقاسونه من ضنك وبؤس وفاقة وجهل، واشتد الخلاف بين أمراء المماليك، وسلبوا الوالي سلطته، وشنوها حربا شعواء كلُ على أخيه، ينازعه السلطة والجاه، والضحية في هذا النزاع كله هم أبناء البلاد، فلا غرو إذا أقفرت من أهلها، وقد جاء القرن التاسع عشر، وسكان مصر أقل من ثلاثة ملايين، أكثرهم من العرب المسلمين ( المصريين )، ويليهم الأقباط، ثم الأتراك، وكان الحاكم يأتي من الأستانة، ويقيم بالقلعة، ويدعو للخليفة، ويضرب باسمه النقود. 

المماليك وسيطرتهم على الثروة والسلطة في مصر العثمانية :

ولكن السلطة الفعلية كانت في يد المماليك، وهم أخلاط من الأتراك والشراكسة، وجميع ثروة البلاد وإداراتها في أيديهم، ولم يكن لهم عصبية؛ لأنهم لم يتوارثوا الملك إلا نادرا، وإنما الغلبة للقوي، فضربة موفقة من حسام أحدهم، تكسبه الصدارة بين أبناء جلدته، ولم يكن حظه السعيد يغير من أخلاقه، فهم في منصب الوالي تتقمصه روح العبد الوضيع، وليس له من هم إلا الاستيلاء على النساء والخيل والأموال. (1)

التأثيرات السلبية للحكم العثماني على الثقافة العربية  :

وهكذا كانت الأقطار العربية تعيش في بؤس وشقاء كان له أثره على الحياة العلمية والأدبية ، وبسبب الضعف السياسي الذي دبّ في جسم الدولة المقتـرن باضطراب على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والفكـري ، حصل انحصار الأدب العربي وبخاصة الشعر في قوالب وموضوعات محـددة ، وقـد بـدا اهتمـام الشعراء بتوافه الأشياء وبالظواهر السطحية ، والمعاني العامة التي لا تحتاج إلى عمق تفكير أو صدق أو انفعال .

تدهور الأدب العربي تحت الحكم العثماني وتأثيره على الشعر :

فقد تعطلت الحركة الأدبية، بل تحجرت وفسدت اللغة العربية؛ فكثر فيها اللفظ التركي والعامي ، وحادت عن قواعد الإعراب ، وابتعدت عن سلامة التركيب العربي الأصيل ، ومن هنا أصبح الأدب ضعيفاً مليئاً بالأخطاء وكانت تمثله نماذج شعرية ونثرية هزيلة ، ليس وراءها أي صدق إحساس ، بل ليس وراءها حتى أي تقليد للشعر في عصوره المتقدمة الرائعة ، وإنما نجد الأدب في هذا العصر ركيكا يتم التركيز فيه على ألوان البديع ، و"يكفي لتصور حال الشعر ومـا منـي بـه _ في الأعم الأغلب _ من هزال وتستر وراء بعض المحسنات، أن نقرأ مثل هذين البيتين لبعض الشعراء في وفاء النيل" ، يقول حسن العطار :


النيل في مصر أوفى 

في توت حادي عشر


والناس قد أرخـوه

لله جبـر الخواطـر

 

--------------------------

(1) ينظر : في الأدب الحديث - عمر الدسوقي - دار الفكر العربي _ طبعة : دار الفكر العربي -  القاهرة ، الطبعة الثامنة سنة ٢٠٠٠ - ۱۳/۱ .


فالشاعر ليس عنده شيء يقوله إلا التأريخ العام الذي أوفى فيه النيل ، وكان عام ١١١٧ه . وهو ما أجهد الشاعر نفسه _ وأجهدنا معه _ ليرمز إليه بحروف الشطر الأخير من البيتين ." (1)

ومثله في الركاكة قول الشيخ حسن حجازي كما أورده الجبرتي في عجاب الآثار :"


قـد جـاء مـصـر باشةٌ    أيـامـه ليـسـت ملاحْ
 
فـقـلت فـي تـاريـخـه    خليل باشا في كلاحْ
 
 ضــربُ مــدافــعٍ بـهـا     كــنا رمــاحٍ وصـفـاحْ
 
              أي فــي زمـان كـالحٍ     ليـس بـه وقت انشراحْ      (2)


فهو شعر سمج ركيك لا ينطوي على جمال أسلوب ولا عمق معنى ، كما أنه لا يخلو من اللفظ التركي والقريب من العامية.

ومثله قوله :"

---------------------

(۱) تطور الأدب الحديث في مصر د. أحمد هيكل_طبعة دار المعارف ، الطبعة السادسة 1994م_ص ۲۱.

(۲) عجائب الآثار في التراجم والأخبار عبد الرحمن بن حسن الجبرتي _ تحقيق : د .عبد الرحيم عبد الرحمن عبد الرحيم _ طبعة : دار الكتب المصرية القاهرة ١٩٩٨م - ۹۰/۱ .


مـصـرٌ قـد حـلّ بـهـا واعظ
عـن مـنـهـج صـدق قـد اعرضْ

وتُهَــدّ جـمـيـع قـبـابـهـمـو
ومــرتّــبــهــم كُـلّاً يـنـقـضْ

وكـرامـات لهـمـو انـقـطعت
بـالمـوت زيـارتـهـم تـرفَضْ

إذ قـال لنـا من اين لكم
خـتـمٌ بـالخـيـر لهـم يفرضْ

فــأســاء الظــن بــســادات
أحـكـام الديـن بـهم تنهضْ

أبـدى جـهـلا فـيـهـا قولا
مـنـه الحـبـلى حالا تجهضْ

والبـدري مـن يـسـمى حسنا
يـدعـو مـن نـافق او يرفض (1)

انعكاس الواقع المتخلف في الأدب العربي خلال الحكم العثماني :

وهكذا كان الأدب مرآة لواقع سيئ مضطرب ، ينخره التخلف والجهل، فأتى الشعر مجانبًا لأبسط مقومات الشعر ، فلـم يكـن يحـمـل قيمـا أدبيـة أو مـعـاني عميقة، "وإنما هي نماذج شاحبة مفتعلة غالبا، تغطي ركاكتها في أكثر الأحيان ألوان من البديع، كثيرا ما تبدو كأكفان ذات ألوان وتطاريز، تلف أجسادا ميتة، وعظاما نخرة.

 الأدب العربي في ظل الحكم العثماني بين الإشادة والموعظة :

وقد كان أغلب النتاج الأدبي لتلك الفترة، يدور حول الأمداح النبوية، والأمور الإخوانية، والمراثي الباردة، والمواعظ المباشرة، وتسجيل بعض الأحداث في لغة سقيمة" (2)

التحول الحضاري في مصر مع وصول الحملة الفرنسية :

واستمر الحال كذلك إلى قدوم الحملة الفرنسية على مصر، وبقدومها حل عهـد جديـد علـى جميع المستويات ، فالصدمة الحضـارية كانـت كبيـرة ومستوى التقدم العلمي للفرنسيين كان غير متوقع آنذاك .

المصادر والمراجع :

--------------------------

(1 ) السابق ، ص 94.

(2) تطور الأدب الحديث في مصر ، ص ۱۸.

 

الموضوع السابق :

الموضوع التالي :

تعليقات